فصل: ومن باب التشهد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب صلاة القاعد:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا فقال: «صلاته قائمًا أفضل من صلاته قاعدًا وصلاته قاعدًا على النصف من صلاته قائمًا وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدًا».
قوله: «صلاته قاعدًا على النصف من صلاته قائمًا وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدًا إنما هو في» التطوع دون الفرض لأن الفرض لا جواز له قاعدًا والمصلي يقدر على القيام وإذا لم يكن له جواز لم يكن لشيء من الأجر ثبات.
وأما قوله: «وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدًا» فإني لا أعلم أني سمعته إلاّ في هذا الحديث ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدًا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبر بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز أيضًا للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس فلا يجوز له أن يصلي مضطجعا كما يجوز له أن يصلي قاعدًا لأن القعود شكل من أشكال الصلاة وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طَهمان عن حسين المعلم، عَن أبي بريدة عن عمران بن حصين قال كان بي الناصور فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب».
قلت: وهذا في الفريضة دون النافلة أقام له القعود مقام القيام عند العجز عنه وأقام صلاته نائما عند العجز عن القعود مقام القعود.
واختلفوا فيه إذا صلى نائما أي واقعا بالأرض كيف يصلي، فقال أصحاب الرأي يصلي مستلقيا ورجله إلى القبلة.
وقال الشافعي يصلي على جنبه متوجها إلى القبلة على ما جاء في الحديث.

.ومن باب كيف الجلوس في التشهد:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر وذكر صلاة رسول الله وساق القصة إلى أن قال ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى وقبض ثنتين وحلق حلقة ورأيته يقول هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة.
قلت: في هذا الحديث إثبات الإشارة بالسبابة، وكان بعض أهل المدينة لا يرى التحليق وقال يقبض أصابعه الثلاث ويشير بالسبابة، وكان بعضهم يرى أن يحلق فيضع أنمله الوسطى بين عقدي الإبهام وإنما السنة أن يحلق برؤوس الأنامل من الإبهام والوسطى حتى يكون كالحلقة المستديرة لا يفضل من جوانبها شيء.

.ومن باب التشهد:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سليمان الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله قبل عباده السلام على فلان وفلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض. أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا عبده ورسوله. ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به».
قلت: قوله: «التحيات لله» فيه إيجاب التشهد لأن الأمر على الوجوب.
وفي قوله عند الفراغ من التشهد «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه» دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست بواجبة في الصلاة ولو كانت واجبة لم يخل مكانها منها ويخيره بين ما شاء من الأذكار والأدعية فلما وكل الأمر في ذلك إلى ما يعجبه منها بطل التعيين. وعلى هذا قول جماعة الفقهاء إلاّ الشافعي فإنه قال الصلاة على النبي في التشهد الأخير واجبة فإن لم يصل عليه بطلت صلاته؛ وقد قال إسحاق بن راهويه نحوا من ذلك أيضًا ولا أعلم للشافعي في هذا قدوة وأصحابه يحتجون في ذلك بحديث كعب بن عجرة وقد رواه أبو داود.
قال أبو داود: نا حفص بن عمر أنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: «قلنا أو قالوا يا رسول الله أمرتنا أن نصلي وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي، قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
قالوا فقوله أمرتنا أن نصلي عليك يدل على وجوبه لأن أمره لازم وطاعته واجبة. وقوله: «قولوا اللهم صل على محمد» أمر ثان يحب ائتماره ولا يجوز تركه. قالوا وقد أمر الله بالصلاة عليه فقال: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56] فكان ذلك منصرف إلى الصلاة لأنه إذا صرف إلى غيرها كان ندبا وإن صرف إليها كان فرضًا إذ لا خلاف أن الصلاة عليه غير واجبة في غير الصلاة فدل على وجوبها في الصلاة والله أعلم.
واختلفوا في التشهد هل هو واجب أم لا فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال من لم يتشهد فلا صلاة له، وبه قال الحسن البصري وإليه ذهب الشافعي ومذهب مالك قريب منه.
وقال الزهري وقتادة وحماد إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته.
وقال أصحاب الرأي التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحب غير واجب والقعود قدر التشهد واجب.
واختلفوا فيما يتشهد به فذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل إلى تشهد ابن مسعود الذي رويناه في هذا الباب.
وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس وقد رواه أبو داود.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة نا الليث، عَن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وذهب مالك إلى تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله.
قلت: وأصحها إسنادا وأشهرها رجالا تشهد ابن مسعود وإنما ذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس للزيادة التي فيه، وهي قوله: «المباركات» ولموافقته القرآن وهو قوله: «فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة»، ثم إن إسناده أيضًا جيد ورجاله مرضيون.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مُخيمرة، قال أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة فذكر مثل حديث الأعمش إذا قلت: هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك وإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد.
قلت: قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول ابن مسعود فإن صح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة.
وقوله: «فقد قضيت صلاتك» يريد معظم الصلاة من القراءة والذكر والخفض والرفع وإنما بقي عليه الخروج منها بالسلام فكنى عن التسليم بالقيام إذ كان القيام إنما يقع عقب السلام ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم لأنه يبطل صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم».
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو عوانة عن قتادة (ح) قال: وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حِطان بن عبد الله الرقاشي قال: «صلى بنا أبو موسى الأشعري فلما جلس في صلاته قال رجل من القوم أقرت الصلاة بالبر والزكاة فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال أيكم القائل كلمة كذا وكذا، قال فأرمّ القوم حتى قالها مرتين، قال فلعلك يا حطان أنت قائلها قال ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني إلى أن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا صلاتنا فقال إذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7] فقولوا آمين يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك».
قوله: «فأرم القوم» يريد أنهم سكتوا مطرقين، يقال أرمّ فلان حتى ما به نطق ومنه قول الشاعر:
يَردن والليل مرمُّ طائره

وقوله: «رهبت أن تبكعني بها» أي تجبهني بها أو تبكتني أو نحو ذلك من الكلام.
قال الأصمعي: يقال بكعت الرجل بكعا إذا استقبلته بما يكره.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك عن محمد بن حاتم المظفري قال: قال سليمان بن معبد قلت للأصمعي ما قول الناس الحق مغضَبة فقال ما بني وهل يسأل عن مثل هذا إلاّ رازم قل ما بُكِعَ أحد بالحق إلاّ اعزنزم له.
وقوله: «فتلك بتلك» فيه وجهان أحدهما أن يكون ذلك مردودا إلى قوله: «وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله» يريد أن كلمة آمين يستجاب بها الدعاء الذي تضمنه السورة أو الآية كأنه قال فتلك الدعوة مضمنة بتلك الكلمة أو معلقة بها أو ما أشبه ذلك من الكلام.
والوجه الآخر أن يكون ذلك معطوفًا على ما يليه من الكلام وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا يريد أن صلاتكم متعلقة بصلاة إمامكم فاتبعوه وائتموا به ولا تختلفوا عليه فتلك إنما تصح وتثبت بتلك. وكذلك الفصل الآخر وهو قوله: «وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم» إلى أن قال: «فتلك بتلك» يريد والله أعلم أن الاستجابة مقرونة بتلك الدعوة وموصولة بها وقوله: «سمع الله لمن حمده» معناه استجاب الله دعاء من حمده، وهذا من الإمام دعاء للمأموم وإشارة إلى قوله: «ربنا لك الحمد» فانتظمت الدعوتان إحداهما بالأخرى فكان ذلك بيان قوله: «فتلك بتلك». ومعنى قوله: «يسمع الله لكم» أي يستجيب لكم ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من قول لا يسمع أي لا يستجاب».
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم، عَن أبي عثمان عن بلال أنه قال يا رسول الله لا تسبقني بآمين.
قلت: يشبه أن يكون معناه أن بلالا كان يقرأ بفاتحة الكتاب في السكتة الأولى من السكتتين فربما بقي عليه الشيء منها وقد فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة فاتحة الكتاب فاستمهله بلال في التأمين مقدار ما يتم فيه بقية السورة حتى يصادف تأمينه تأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فينال بركته معه والله أعلم.
وقد تأوله بعض أهل العلم على أن بلالا كان يقيم في الموضع الذي يؤذن فيه وراء الصفوف فإذا قال قد قامت الصلاة كبر النبي صلى الله عليه وسلم فربما سبقه ببعض ما يقرؤه فاستمهله بلال قدر ما يلحق القراءة والتأمين.

.ومن باب التصفيق في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم فقال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره رسول الله من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك، قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي أراكم أكثرتم التصفيح من نابه شيء في صلاته فليُسبح فإنما التصفيح للنساء».
قلت: في هذا الحديث أنواع من الفقه منها تعجيل الصلاة في أول وقتها ألا ترى أنهم لما حانت الصلاة ورسول الله غائب لم يؤخروها انتظارا له.
ومنها أن الالتفات في الصلاة لا يبطلها ما لم يتحول المصلي عن القبلة بجميع بدنه ومنها أنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة لما صفقوا بأيديهم.
وفيه أن التصفيق سنة النساء في الصلاة وهو معنى التصفيح المذكور في آخر الحديث وهو أن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف من اليسرى. ومنها أن تقدم المصلي عن مصلاه وتأخره عن مقامه لحاجة تعرض له غير مفسد صلاته ما لم يطل ذلك.
ومنها إباحة رفع اليدين في الصلاة والحمد لله والثناء عليه في إضعاف القيام عندما يحدث للمرء من نعمة لله ويتجدد له من صنع.
وفيه جواز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر. ومنها جواز الائتمام بصلاة من لم يلحق أول الصلاة.
وفيه أن سنة الرجال عندما ينوبهم شيء في الصلاة التسبيح. وفيه أن المأموم إذا سبح يريد بذلك إعلام الإمام لم يكن ذلك مفسدا لصلاته.